قصص

قصه قتل عمد

جوة قسم شرطة وبالتحديد من مكتب رئيس المباحث، ظابط واقف بيضرب التحية لرئيسه وبيقوله :
_ تمام يا فندم ده تقرير الطبيب الشرعي ..بخصوص الحريق الكبير اللي حصل من كام يوم وراح ضحيته ٤ اشخاص .. اكتشفنا ان فيهم جثة ماتت مطعونة في بطنها ٧ طعنات قبل ما النار تمسك فيها هي وبناتها.
باب المكتب بيخبط، دخل عسكري بيقول :
_ فيه واحد برة يا فندم عايز سيادتك في موضوع مهم .
اتعدل رئيس المباحث من قعدته وقال للعسكري :
_ دخله يا ابني .
شاورله العسكري ودخل شاب في اواخر العشرينات من عمره وهو باصص في الارض ورجله بتترعش والعرق مغرقه، قال بعد لحظات صمت :
_ انا جاي اعترف على نفسي يا باشا .. ومش انا بس .. انا عارف مين سبب الحريق اللي حصل في شقة الدور العاشر .. وجاي ابلغ عنهم واسلم نفسي !!!.
من حوالي اسبوع
حارة من حواري مصر الجميلة، بالتحديد بعد صلاة العشاء .
على نصية الحارة كُشك وجنب الكُشك ٣ شباب واقفين بيشربوا مخدرات وصوت ضحكاتهم جايبة اخر الحارة اللي غرقانة في زحمتها ما بين اصوات الباعة الجائلين والاطفال وهما بيلعبوا، وصوت تكة الدومنا العالي اللي جاي من جوة القهوة اللي في متتصف الحارة.
وسط ده كله بيقرب (مازن) بعربيته الهيونداي من الحارة وبيركنها قصاد الكُشك، بينزل مازن منها وبيسلم على الشباب اللي واقفين باصين عليه من وقت ما دخل بعربيته، ابتسملهم وواحد منهم قاله :
_ ايه يا عم مازن من ساعة ما سيبت الحارة وانت مختفي .
قرب مازن عليهم وهو بيقولهم :
_ خالد وفريد ومحمد .. واحشني التجمع ده يا رجالة .. حبيبي يا محمد عامل ايه .. عاملين ايه يا رجالة .
رد عليه فريد وهو ماسك سيجارة ملفوفة وبيشرب منها :
_ مش كدا يا زوز دا احنا كنا شقايق يا جدع.. حتى دي تشهد .. مساء الخييييير .
مدله الشاب ايده بالسيجارة، بص لها مازن وابتسم وهو بيقولهم بنبرة هادية :
_ الحمدلله بطلت يا فريد ربنا هداني .. معلش يا رجالة اني مبسألش بس ربنا عالم باللي الواحد فيه .. شغل وبيت ومشاكل ملهاش اخر .
خد خالد من فريد سيجارة الحشيش وخد منها نفس طويل وقال والدخان بيخرج من بوئه :
_ عاتب عليك يا زميلي وانت عارف ليه .. بس نشهد الرجالة .. يرضيكوا يا رجالة اكلم مازن على شغل للواد علام اخويا الصغير وصاحبنا اللي واكل معاه عيش وملح ينفضلي .. الحكم ليكوا .. ردوا انتوا بقى .
ضحك مازن وبص لمحمد اللي قال :
_ لا الحق يتقال بصراحة دقة نقص دي يا مازن .. يا جدع دا احنا كنا واكلين شاربين نايمين رايحين جايين مع بعض .. مش عشان ربنا اداك من وسع تنسى صحابك .
قبل ما يمشي مازن قالهم وبالاخص لخالد :
_ الواضح ان علام مبلغكش الحقيقة كلها .. مقالكش اني نزلته شغل في الارشيف يومين و فيهم اتشاف في الكاميرات وهو بيسرق فلوس من عم عبد الحميد اقدم موظف عندي .. استأذنكم انا هروح اطمن على امي .
سكت خالد من فرط الصدمة في حين محمد وفريد ضحكوا من الموقف، اتضايق خالد وقالهم :
_ ماشي يا علام الكلب .. سيبكوا من الضحك شوية وبصوا للعربية الجديدة بتاعته .. يا نهار اسود .. ده غني غنى فاحش .. عربية وشقتين وشركة كبيرة .
ضرب محمد كف على كف وهو بيقول :
_ بقى ده مازن الحشاش بتاع النسوان .. يا جدعان ده كان متسول .. ده كان بيشحت مني فلوس عشان يجيب بيها حشيش والنعمة قدام عيني .. يدي الحلق للي بلا ودان .. فجأة بقى مازن بيه .. يخربيته .. فلوسه المتلتله دي بيعمل بيهم ايه ؟.
ضربه فريد على دماغه وقاله :
_ بيكنزهم في البنك يا اهبل .. اللي زي ده كان شحات ومعفن ويكوت على القرش .. عايزه لما البلية تجري في ايده ميعملهمش على قلبه .. ده حتى يبقى غبي .. دا انا سمعت انه متجوز اتنين وكل واحدة كاتبلها شقة ملك .
وقف خالد قدام فريد وقاله والحقد بيخرج من عيونه :
_ ده عنده ٣ بنات يا عم .. هقولك .. لما اتجوز البت عزيزة جارته طلعت مبتخلفش .. قام متجوز واحدة من اللي ابوها من كبار البلد اللي ناهبين البلد في كرشهم ومخلف منها ٣ بنات .
هز محمد راسه وهو بيشاور على خالد وقال :
_ صح .. خالد عنده حق ياض يا فريد .. كنت بعمل تكييف جنب شقته وبالصدفة شوفته هو وبناته و مراته بعيني .. بقولك ايه .. صاروخ .. مُزة زي ما الكتاب ما بيقول .. ده غير العربية اللي معاها .. عيشة اخر نزاهة .. احنا مدفونين هنا بالحيا .. اسكتوا بلا قرف .
اتحركوا هما التلاتة من مكانهم وقبل ما يختفوا وسط زحمة الحارة، قالهم فريد :
_ يا بخته بعيشته .. اهو ده مش شايف للدنيا هموم .. مال وجمال وبنات واملاك .
وقف فجأة ولمعت عيونه وقال لمحمد بحماس:
_ ولا يا محمد .. انت مش قولت انك شوفتهم .. يعني تعرف بيته .
كشر فريد وقاله :
_ بتسأله ليه؟.. بتفكر ف ايه يا ابو دماغ سم .
ضحك وهو بيقولهم :
_ ياض يا عصفور تعالى بالتوكتوك بتاعك يلا بسرعة .. اركبوا وهفهمكوا على كل حاجة .. عامل ايه ياض يا عصفورة .. مش وقت غباء يا محمد .. قول لعصفورة على العنوان وانجز قبل ما ينزل من عند امه .
بيقرب مازن لبيت العيلة القديم, كل الحارة بتبصله بنفس النظرات ونفس طريقة كلام محمد وخالد وفريد, طلع مازن لوالدته لما شافها باس على ايدها ودماغها ودخل البيت الكبير اللي مكون من 4 اوض وصالة كبيرة وحمام ومطبخ, دخل مازن اوضة من الاوض الاربعة فاضة الا من شوية ( شِلَت ) موجودين على الارض, فتح مازن النور وراح قعد على ( شلتة ) منهم على الارض وهو بيقول لوالدته :
_ الله يرحمك يابا .. واحشاني يا ست الكل .. مش هتريحيني بقى وتيجي تعيشي مع عزيزة .. أهو على الاقل اكون مطمن عليكي يا حبيبتي .
قالتله وهي واقفة قدامه وباصة على برواز فيها صورة لراجل في الخمسينات من عمره:
_ وأسيب ابوك بعد العمر ده كله يا مازن .. عايزه يزعل مني يا واد.
بان الحزن على عيون مازن وهو بيبص على والدته اللي مازالت باصة على صورة والد مازن, قالها وهو بيقوم :
_ الله يرحمه .. كان بيحب يقعد هنا على الشلتة دي بالساعات .. بس سيبك انتي .. انا عملت كل اللي طلبتيه مني .. روحتله قبره الصبح ووزعت رحمة عليه وسقيت الصبارة ودفعت شهرية دار الايتام وعلى قد ما اقدر فرحت اليتامى بكام لعبة .. كله بأوامرك ياما.
ضحكت وحطت ايديها على كتفه وقالته وهما بيتحركوا للبلكونة:
_ تعرف انك نسخة من محمود ابوك .. نفس كلامه ومشيته وكانه راح وساب فيك روحه .. قلبي وربي راضين عليك يا مازن يا ابني .. بس مش عارفه ليه كل يوم قلبي بيتقبض عليك .. فجأة قبل اصلي الفجر وادعيلك انت وبناتك بحس اني عايزه اضمك في حضني .. مش عارفه ليه القبضة دي.
ضحك بصوت عالي وقالها :
_ انتي مش هتفضلي تخافي عليا لو بعد مية سنة .. حتى وانا شحط كدا .. ماتقلقيش يا ست الكل يا قمر .. حبيبك مية مية وماشي بستره ورضاه وبسمعاني لكلامك .. ما انا ماليش غيرك ياما.
قالتله وهي بتشاور على قلبها وهي بصاله وعلى ملامحه قلق واضح :
_ انت ابني الوحيد وده عمره ما كدب عليا .. انا حاسة انك منظور يا مازن .. ايوة .. تعالى يا واد اما ابخرك من عيون الحارة ومن عيون كل اللي شافوك وما صلوش على النبي.
موبايل مازن رن .. خرج موبايله وهو بيقول :
_ عليه افضل الصلاة والسلام .. دي هاجر مراتي.
والدته قالتله :
_ طب مترد عليها .. يمكن عايزاك ف حاجة.
قالها وهو بيحط موبايله في جيبه :
_ انا بستنى اليوم ده علشان اقعد معاكي على راحتي .. مش هرد أدي الموبايل .. معقول هشغل بالي بحاجة وانا قاعد مع القمر ده .. بقولك ايه انا نفذت كل اللي طلبتيه مني .. فين بقى صنية البسبوسة بتاعتك ؟.
قبل مكالمة هاجر لمازن بنص ساعة ..
المكان شقة مازن التانية.
شقة بدورين, ديكور على الطراز الامريكي .. اللي مميز في الشقة وجود التحف والانتيكات باهظة التمن, بتخرج هاجر من الحمام .. راحت لاوضة بنتها الكبيرة لقيتها نايمة, دخلت تاني اوضة لقت ( سارة ونرهان ) بناتها التوأم قاعدين بيتفرجوا على كرتون, قالتلهم بغضب :
_ الله الله .. الساعة 9 ولسه منمتوش!!.. اقفلوا الشاشة وكل واحدة على سريرها يلا .
سابتهم وخرجت, ودخلت اوضتها ومسكت موبايلها, بتتصفح على مواقع التواصل الاجتماعي, لحظات واتاوبت وقفلت هاجر النور وحطت موبايلها على الكومودينو وغمضت عنيها.
تحت العمارة وقف توكتوك فيه 4 اشخاص, عصفورة السواق ومحمد وخالد وفريد, بص خالد للعمارة وقال لمحمد :
_ متأكد يلا ان هو ده العنوان .
بدون كلام هزله محمد راسه, اتكلم فريد وقال :
_ السؤال هنا يا عم خالد .. هنعملها ازاي؟ .
نزل من التوكتوك وقال وهو باصص على الدور العاشر بالتحديد:
_ مافيش غير حل واحد .. المهم بس انزلوا معايا .. ياض يا عصفورة استنانا هنا ربع ساعة بالكتير .. هروق عليك متقلقش.
قفلت هاجر النور وحطت موبايلها على الكومودينو وغمضت عنيها, كانت دقايق وبدأت تقلق من نومها لما سمعت صوت همهمات وصوت خبط خفيف جاي من برة اوضتها, قلبها دق بقوة ومسكت موبايلها وايديها بتترعش, اتصلت بمازن بس فاجئها الأخير بإنه كنسل عليها.
جت تتصل تاني لقت موبايله مقفول.
بصت من برة اوضتها على باب الشقة المقابل لباب أوضتها اللي سايباه مفتوح, نور الشقة كله مضلم واكتشفت ان في اضاءة خافتة جاية من عند الباب.
خافت تقوم من مكانها وبعتت لمازن فويس على الواتس اب.
قدام باب الشقة واقف فريد بكشاف الموبايل وخالد بيحاول يفتح الباب, فريد قاله بصوت خافت :
_ مش كان الواد محمد معانا دلوقتي كنت حاولت الاقي طريقة تاني ادخل بيها الشقة.. عيل جبان .
مردش خالد عليه غير بعد دقيقة لما قاله بصوت واطي:
_ سيبك منه احنا خدنا غرضنا منه وخلاص.. الباب اتفتح.. ششش مش عايز ولا كلمة .. واقلع الجزمة دي وامشي على طراطيف صوابعك.
بعد مرور 10 دقايق ..
بينزل خالد وفريد جري من العمارة بيعدوا الشارع بلهوجة وبسرعة, ركبوا التوكتوك وخالد قال بصوت متقطع بسبب انه كان بيهنج بقوة :
_ اطلع ياض بسرعة .. اجري من هنا يلا .
سأله محمد عن اللي حصل وهو مستغرب شكلهم, اتحرك التوكتوك وبص محمد بصة اخيرة على الشقة, أكتشف نار بيتوهج وبيعلى من ورا الشبابيك جوة الشقة!!.
بينزل مازن من عند والدته, وهو لطريقه للعربية اللي راكنها على اول الحارة فتح موبايله, لقى رسالة من هاجر على الواتس, ركب العربية واتحرك بيها وبدا يسمع الفويس :
( الحقني يا مازن .. في حرامي بيحاول يدخلوا الشقة وانا خايفه مش قادرة حتى اقوم .. بالله عليك تعالى الحقنا بسرعة احسن يعمل فينا حاجة ) .
فرمل مازن فجأة, رمى موبايله بتوتر جنبه وغير اتجاهه وراح للعمارة لقى مطافي وشرطة وناس كتير واقفين ونار شديدة خارجه من الشباك ودخان اسود كثيف غطى على البعض الرؤية !.
حاول يطلع العمارة لكن جيرانه مسكوه وهو منهار, خصوصا لما شاف السراير بتنزل من العمارة وبناته ال3 ومراته متغطيين بملايا بيضا وبيتحطوا جوة عربية الاسعاف!!.
في نفس التوقيت بيزعق فيهم محمد وهما واقفين في مكان أشبه بالخرابة بعيد عن العيون :
_ يا نهار اسود .. يا نهارد اسود .. ايه اللي هببتوه ده ؟ .. عملت كدا ليه يا خالد؟ .. أنطق .
قاله بارتباك :
_ مكناش نقصد يا اخي .. احنا دخلنا علشان نسرق اللي فيه النصيب لقيناها في وشنا .. جريت عليها قبل ما تصرخ.. كتمت بوئها وفضلت تفرك مني .
رد عليه فريد وهو سرحان وشارد وقال وهو باصص للفراغ :
_ محستش بنفسي غير وانا بطلع المطوة وبغرزها في بطنها.. الشيطان اتملك مني .. معرفش عملت كدا ازاي.
بيمسح محمد عيونه وهو قاعد قدام رئيس المباحث وبيكمله الحكاية وبيقول :
_ واعترف فريد وهو منهار انه فتح كل مواسير الغاز في البيت وخرجوا وهما بيولعوا في الشقة .. كانوا عايزين يخفوا جريمتهم .. نسيوا ان في 3 بنات في الشقة وراحوا يا باشا .. راحوا في الحريق وانا السبب .. يا ريتني معرفتهم عنوان الشقة .. يا ريتني.
انهار محمد من البكى وامر رئيس المبا حث بالقبض على فريد وخالد وحصل واعترفوا واتحكم عليهم بالاعدام للقتل العمد .
المغزى من الحكاية والعامل الرئيسي اللي كانوا السبب في حدوث الحادثة دي هما ( الحقد والحسد ) ..
كتير مننا بيعيشوا حياة صعبة وبمجرد ما بيضحك قدام الناس بيحسدوه على ضحكته .. مشكلتنا اننا بناخد بالظاهر وبس .. بسبب حسد وحقد اصحاب مازن كانوا السبب في موت مراته وبناته ودخوله لمصحة نفسية .. كان طبيعي يفقد عقله .. كان صاحبهم وقرر يسيب طريقهم ويركز في حياته .. ساب المخدرات وتعب واجتهد علشان كدا ربنا اداه من وسع .
الفاشل هو اللي بيحسد الناجح على نجاحه بدون حتى ما يرجع لقد ايه هو تعب علشان يوصل للي هو فيه.. دايما اللي بيحسد ده بيكون فاكر ان اللي بيحسده فجأة بقى ناجح أو فجأة بقى مشهور أو فجأة بقى دكتور او او او .. ميعرفش حتى معنى الاجتهاد والصبر والاصرار.
في النهاية بلاش تحقدوا على حد .. بلاش الحسد .. نهايتهم طرق مسدودة .. ركزوا في تفاصيل حياتكم أفضل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى